في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السم الذي أصابه بخيبر من اليهود
في هديه صلى 
الله عليه وسلم في علاج السم الذي أصابه بخيبر من اليهود
ذكر عبد الرزاق ، عن 
معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك : " أن امرأة يهودية أهدت إلى 
النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر ، فقال : ما هذه  ؟ قالت : هدية ، وحذرت أن تقول : من الصدقة ، 
فلا يأكل منها ، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكل الصحابة ، ثم قال :  أمسكوا  
، ثم قال للمرأة :  هل سممت هذه 
الشاة  ؟ قالت : من أخبرك بهذا ؟ قال 
:  هذا العظم لساقها  ، وهو في يده ؟ قالت : نعم . قال :  لم  ؟ 
قالت : أردت إن كنت كاذباً أن يستريح منك الناس ، وإن كنت نبياً ، لم يضرك ، قال : 
فاحتجم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة على الكاهل ، وأمر أصحابه أن يحتجموا ، 
فاحتجموا ، فمات بعضهم" .
وفي طريق أخرى : واحتجم 
رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة ، حجمه أبو هند 
بالقرن والشفرة ، وهو مولى لبي بياضة من الأنصار ، وبقي بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان 
وجعه الذي توفي فيه ، فقال : " ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر 
حتى كان هذا أوان انقطاع الأبهر مني " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً ، 
قاله موسى بن عقبة .
معالجة السم تكون 
بالإستفراغات ، وبالأدوية التي تعارض فعل السم وتبطله ، إما بكيفياتها ، وإما 
بخواصها ، فمن عدم الدواء ، فليبادر إلى الإستفراغ الكلي وأنفعه الحجامة ، ولا سيما 
إذا كان البلد حاراً ، والزمان حاراً ، فإن القوة السمية تسري إلى الدم ، فتنبعث في 
العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب ، فيكون الهلاك ، فالدم هو المنفذ الموصل للسم 
إلى القلب والأعضاء ، فإذا بادر المسموم ، وأخرج الدم ، خرجت معه تلك الكيفية 
السمية التي خالطته ، فإن كان استفراغاً تاماً لم يضره السم ، بل إما أن يذهب ، 
وإما أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة ، فتبطل فعله أو تضعفه .
ولما احتجم النبي صلى 
الله عليه وسلم ، احتجم في الكاهل ، وهو أقرب المواضع التي يمكن فيها الحجامة إلى 
القلب ، فخرجت الماده السمية مع الدم لا خروجاً كلياً ، بل بقي أثرها مع ضعفه لما 
يريد الله سبحانه من تكميل مراتب الفضل كلها له ، فلما أراد الله إكرامه بالشهادة ، 
ظهر تأثير ذلك الأثر الكامن من السم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، وظهر سر قوله 
تعالى لأعدائه من اليهود :  " أفكلما جاءكم 
رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون " [ البقرة : 87 ] ، 
فجاء بلفظ كذبتم بالماضي الذي قد وقع منه ، وتحقق ، وجاء بلفظ :  تقتلون  
بالمستقبل الذي يتوقعونه وينتظرونه ، والله أعلم 
.
فصل
في هديه صلى 
الله عليه وسلم في علاج السحر الذي سحرته اليهود به
قد أنكر هذا طائفة من 
الناس ، وقالوا : لا يجوز هذا عليه ، وظنوه نقصاً وعيباً ، وليس الأمر كما زعموا ، 
بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع ، وهو مرض من 
الأمراض ، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما ، وقد ثبت في  الصحيحين  
عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى 
إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ، ولم يأتهن ، وذلك أشد ما يكون من السحر 
.
قال القاضي عياض : 
والسحر مرض من الأمراض ، وعارض من العلل يجوز عليه صلى الله عليه وسلم ، كأنواع 
الأمراض مما لا ينكر ، ولا يقدح في نبوته ، وأما كونه يخيل إليه أنه فعل الشئ ولم 
يفعله ، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شئ من صدقة ، لقيام الدليل والإجماع على 
عصمته من هذا ، وإنما هذا فيما يجوز طروه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث لسببها ، 
ولا فضل من أجلها ، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر ، فغير بعيد أنه يخيل إليه من 
أمورها ما لا حقيقة له ، ثم ينجلي عنه كما كان .
والمقصود : ذكر هديه في 
علاج هذا المرض ، وقد روي عنه فيه نوعان : 
أحدهما - وهو أبلغهما - 
: استخراجه وإبطاله ، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربه سبحانه في ذلك ، 
فدل عليه ، فاستخرجه من بئر ، فكان في مشط ومشاطة ، وجف طلعة ذكر ، فلما استخرجه ، 
ذهب ما به ، حتى كأنما أنشط من عقال ، فهذا من أبلغ ما يعالج به المطبوب ، وهذا 
بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد بالإستفراغ .
والنوع الثانى : 
الإستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر ، فإن للسحر تأثيراً في الطبيعة ، 
وهيجان أخلاطها ، وتشويش مزاجها ، فإذا ظهر أثره في عضو ، وأمكن استفراغ المادة 
الرديئة من ذلك العضو ، نفع جداً .
وقد ذكر أبو عبيد في 
كتاب  غريب الحديث  له بإسناده ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أن 
النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على رأسه بقرن حين طب . قال أبو عبيد : معنى طب : 
أي سحر .
وقد أشكل هذا على من قل 
علمه ، وقال : ما للحجامة والسحر ، وما الرابطة بين هذا الداء وهذا الدواء ، ولو 
وجد هذا القائل أبقراط ، أو ابن سينا ، أو غيرهما قد نص على هذا العلاج ، لتلقاه 
بالقبول والتسليم ، وقال : قد نص عليه من لا يشك في معرفته وفضله .
فاعلم أن مادة السحر 
الذي أصيب به صلى الله عليه وسلم انتهت إلى رأسه إلى إحدى قواه التي فيه بحيث كان 
يخيل إليه أنه يفعل الشئ ولم يفعله ، وهذا تصرف من الساحر في الطبيعة والمادة 
الدموية بحيث غلبت تلك المادة على البطن المقدم منه ، فغيرت مزاجه عن طبيعته 
الأصلية .
والسحر : هو مركب من 
تأثيرات الأرواح الخبيثة ، وانفعال القوى الطبيعية عنها ، وهو أشد ما يكون من السحر 
، ولا سيما في الموضع الذي انتهى السحر إليه ، واستعمال الحجامة على ذلك المكان 
الذي تضررت أفعاله بالسحر من أنفع المعالجة إذا استعملت على القانون الذي ينبغي 
.
قال أبقراط : الأشياء 
التي ينبغي أن تستفرغ يجب أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل بالأشياء التي 
تصلح لاستفراغها .
وقالت طائفة من الناس : 
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب بهذا الداء ، وكان يخيل إليه أنه فعل 
الشئ ولم يفعله ، ظن أن ذلك عن مادة دموية أو غيرها مالت إلى جهة الدماغ ، وغلبت 
على البطن المقدم منه ، فأزالت مزاجه عن الحالة الطبيعية له ، وكان استعمال الحجامة 
إذ ذاك من أبلغ الأدوية ، وأنفع المعالجة ، فاحتجم ، وكان ذلك قبل أن يوحى إليه أن 
ذلك من السحر ، فلما جاءه الوحي من الله تعالى ، وأخبره أنه قد سحر ، عدل إلى 
العلاج الحقيقي وهو استخراج السحر وإبطاله ، فسأل الله سبحانه ، فدله على مكانه ، 
فاستخرجه ، فقام كأنما أنشط من عقال ، وكان غاية هذا السحر فيه إنما هو في جسده، 
وظاهر جوارحه ، لا على عقله وقلبه ، ولذلك لم يكن يعتقد صحة ما يخيل إليه من إتيان 
النساء ، بل يعلم أنه خيال لا حقيقة له ، ومثل هذا قد يحدث من بعض الأمراض ، والله 
أعلم .
فصل
ومن أنفع علاجات السحر 
الأدوية الإلهية ، بل هي أدويته النافعة بالذات ، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة 
السفلية ، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار ، والآيات ، والدعوات 
التي تبطل فعلها وتأثيرها ، وكلما كانت أقوى وأشد ، كانت أبلغ في القشرة ، وذلك 
بمنزلة التقاء جيشين مع كل واحد منهما عدته وسلاحه ، فأيهما غلب الآخر ، قهره ، 
وكان الحكم له ، فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله مغموراً بذكره ، وله من التوجهات 
والدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يخل به يطابق فيه قلبه لسانه ، كان هذا من أعظم 
الأسباب التي تمنع إصابة السحر له ، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه 
.
وعند السحرة : أن سحرهم 
إنما يتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة ، والنفوس الشهوانية التي هي معلقة 
بالسفليات ، ولهذا فإن غالب ما يؤثر في النساء ، والصبيان ، والجهال ، وأهل البوادي 
، ومن ضعف حظه من الدين والتوكل والتوحيد ، ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية 
والدعوات والتعوذات النبوية .
وبالجملة : فسلطان 
تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة التي يكون ميلها إلى السفليات ، قالوا : 
والمسحور هو الذي يعين على نفسه ، فإنا نجد قلبه متعلقاً بشئ كثير الإلتفات إليه ، 
فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والإلتفات ، والأرواح الخبيثة إنما تتسلط على 
أرواح تلقاها مستعدة لتسلطها عليها بميلها إلى ما يناسب تلك الأرواح الخبيثة ، 
وبفراغها من القوة الإلهية ، وعدم أخذها للعدة التي تحاربها بها ، فتجدها فارغة لا 
عدة معها ، وفيها ميل إلى ما يناسبها ، فتتسلط عليها ، ويتمكن تأثيرها فيها بالسحر 
وغيره ، والله أعلم .
فصل
في هديه صلى 
الله عليه وسلم في الإستفراغ بالقئ
روى الترمذي في  جامعه  
عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي الدرداء ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء ، 
فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق ، فذكرت له ذلك ، فقال : صدق ، أنا صببت له وضوءه . 
قال الترمذي : وهذا أصح شئ في الباب .
القئ : أحد الإستفراغات 
الخمسة التي هي أصول الإستفراغ ، وهي الإسهال ، والقئ ، وإخراج الدم ، وخروج 
الأبخرة والعرق ، وقد جاءت بها السنة .
فأما الإسهال : فقد مر 
في حديث " خير ما تداويتم به المشي " وفي حديث " السنا " .
وأما إخراج الدم ، فقد 
تقدم في أحاديث الحجامة .
وأما استفراغ الأبخرة ، 
فذكره عقب هذا الفصل إن شاء الله .
وأما الإستفراغ بالعرق ، 
فلا يكون غالباً بالقصد ، بل بدفع الطبيعة له إلى ظاهر الجسد ، فيصادف المسام مفتحة 
، فيخرج منها .
والقئ استفراغ من أعلا 
المعدة ، والحقنة من أسفلها ، والدواء من أعلاها وأسفلها ، والقئ : نوعان : نوع 
بالغلبة والهيجان ، ونوع بالإستدعاء والطلب . فأما الأول : فلا يسوغ حبسه ودفعه إلا 
إذا أفرط وخيف منه التلف . فيقطع بالأشياء التي تمسكه . وأما الثاني : فأنفعه عند 
الحاجة إذا روعي زمانه وشروطه التي تذكر .
وأسباب القئ عشرة 
.
أحدها : غلبة المرة 
الصفراء ، وطفوها على رأس المعدة ، فتطلب الصعود .
الثاني : من غلبة بلغم 
لزج قد تحرك في المعدة ، واحتاج إلى الخروج .
الثالث : أن يكون من ضعف 
المعدة في ذاتها ، فلا تهضم الطعام ، فتقذفه إلى جهة فوق .
الرابع : أن يخالطها خلط 
رديء ينصب إليها ، فيسيء هضمها ، ويضعف فعلها .
الخامس : أن يكون من 
زيادة المأكول أو المشروب على القدر الذي تحتمله المعدة ، فتعجز عن إمساكه ، فتطلب 
دفعه وقذفه .
السادس : أن يكون من عدم 
موافقة المأكول والمشروب لها ، وكراهتها له ، فتطلب دفعه وقذفه .
السابع : أن يحصل فيها 
ما يثور الطعام بكيفيته وطبيعته ، فتقذف به . 
الثامن : القرف ، وهو 
موجب غثيان النفس وتهوعها .
التاسع : من الأعراض 
النفسانية ، كالهم الشديد ، والغم ، والحزن ، وغلبة اشتغال الطبيعة والقوى الطبيعية 
به ، واهتمامها بوروده عن تدبير البدن ، وإصلاح الغذاء ، وإنضاجه ، وهضمه ، فتقذفه 
المعدة ، وقد يكون لأجل تحرك الأخلاط عند تخبط النفس ، فإن كل واحد من النفس والبدن 
ينفعل عن صاحبه ، ويؤثر في كيفيته .
العاشر : نقل الطبيعة 
بأن يرى من يتقيأ ، فيغلبه هو القئ من غير استدعاء ، فإن الطبيعة نقالة 
.
وأخبرني بعض حذاق 
الأطباء ، قال : كان لي ابن أخت حذق في الكحل ، فجلس كحالاً ، فكان إذا فتح عين 
الرجل ، ورأى الرمد وكحله ، رمد هو ، وتكرر ذلك منه ، فترك الجلوس . قلت له : فما 
سبب ذلك ؟ قال : نقل الطبيعة ، فإنها نقالة ، قال : وأعرف آخر ، كان رأى خراجاً في 
موضع من جسم رجل يحكه ، فحك هو ذلك الموضع ، فخرجت فيه خراجة . قلت : وكل هذا لا بد 
فيه من
استعداد الطبيعة ، وتكون 
المادة ساكنة فيها غير متحركة ، فتتحرك لسبب من هذه الأسباب ، فهذه أسباب لتحرك 
المادة لا أنها هي الموجبة لهذا العارض .
فصل
ولما كانت الأخلاط فى 
البلاد الحارة ، والأزمنة الحارة ترق وتنجذب إلى فوق ، كان القئ فيها أنفع . ولما 
كانت في الأزمنة الباردة والبلاد الباردة تغلظ ، ويصعب جذبها إلى فوق ، كان 
استفراغها ، بالإسهال أنفع .
وإزالة الأخلاط ودفعها 
تكون بالجذب والإستفراغ ، والجذب يكون من أبعد الطرق ، والإستفراغ من أقربها ، 
والفرق بينهما أن المادة إذا كانت عاملة في الإنصباب أو الترقي لم تستقر بعد ، فهي 
محتاجة إلى الجذب ، فإن كانت متصاعدة جذبت من أسفل ، وإن كانت منصبة جذبت من فوق ، 
وأما إذا اسقرت في موضعها ، استفرغت من أقرب الطرق إليها ، فمتى أضرت المادة 
بالأعضاء العليا ، اجتذبت من أسفل ، ومتى أضرت بالأعضاء السفلى ، اجتذبت من فوق ، 
ومتى استقرت ، استفرغت من أقرب مكان إليها ، ولهذا احتج النبي صلى الله عليه وسلم 
على كاهله تارة ، وفي رأسه أخرى ، وعلى ظهر قدمه تارة ، فكان يستفرغ مادة الدم 
المؤذي من أقرب مكان إليه . والله أعلم .
فصل
والقئ ينقي المعدة 
ويقويها ، ويحد البصر ، ويزيل ثقل الرأس ، وينفع قروح الكلى ، والمثانة ، والامراض 
المزمنة كالجذام والإستسقاء ، والفالج والرعشة ، وينفع اليرقان .
ويبنغي أن يستعمله 
الصحيح في الشهر مرتين متواليتين من غير حفظ دور ، ليتدارك الثاني ما قصر عنه الأول 
، وينقي الفضلات التي انصبت بسببه ، والإكثار منه يضر المعدة ، ويجعلها قابلة 
للفضول ، ويضر بالأسنان والبصر والسمع ، وربما صدع عرقاً ، ويجب أن يجتنبه من به 
ورم في الحلق ، أو ضعف في الصدر ، أو دقيق الرقبة ، أو مستعد لنفث الدم ، أو عسر 
الإجابة له .
وأما ما يفعله كثير ممن 
يسيء التدبير ، وهو أن يمتلئ من الطعام ، ثم يقذفه ، ففيه آفات عديدة ، منها : أنه 
يعجل الهرم ، ويوقع في أمراض رديئة ، ويجعل القئ له عادة . والقئ مع اليبوسة ، وضف 
الأحشاء ، وهزال المراق . أو ضعف المستقيء خطر . . .
وأحمد أوقاته الصيف 
والربيع دون الشتاء والخريف ، وينبغي عند القئ أن يعصب العينين ، ويقمط البطن ، 
ويغسل الوجه بماء بارد عند الفراغ ، وان يشرب عقيبه شراب التفاح مع يسير من مصطكى ، 
وماء الورد ينفعه نفعاً بيناً .
والقئ يستفرغ من أعلى 
المعدة ، ويجذب من أسفل ، والإسهال بالعكس ، قال أبقراط : وينبغي أن يكون الإستفراغ 
في الصيف من فوق أكثر من الإستفراغ بالدواء ، وفي الشتاء من أسفل 
.
فصل
في هديه صلى 
الله عليه وسلم في الإرشاد إلى معالجة أحذق الطبيبين
ذكر مالك في  موطئه  
: عن زيد بن أسلم ، أن رجلاً في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه 
جرح ، فاحتقن الجرح الدم، وأن الرجل دعا رجلين من بني أنمار ، فنظرا إليه فزعما أن 
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما : " أيكما أطب  ؟ فقال : أوفي الطب خير يا رسول الله ؟ فقال 
:  أنزل الدواء الذي أنزل الداء " 
.
ففي هذا الحديث أنه 
ينبغي الإستعانة في كل علم وصناعة بأحذق من فيها فالأحذق ، فإنه إلى الإصابة أقرب . 
وهكذا يجب على المستفتي 
أن يستعين على ما نزل به بالأعلم فالأعلم ، لأنه أقرب إصابة ممن هو دونه 
.
وكذلك من خفيت عليه 
القبلة ، فإنه يقلد أعلم من يجده ، وعلى هذا فطر الله عباده ، كما أن المسافر في 
البر والبحر إنما سكون نفسه ، وطمأنينته إلى أحذق الدليلين وأخبرهما ، وله يقصد ، 
وعليه يعتمد ، فقد اتفقت على هذا الشريعة والفطرة والفعل .
وقوله صلى الله عليه 
وسلم : " أنزل الدواء الذي أنزل الداء " ، قد جاء مثله عنه في أحاديث كثيرة ، فمنها 
ما رواه عمرو بن دينار ، عن هلال بن يساف ، قال : " دخل رسول الله صلى الله عليه 
وسلم على مريض يعوده ، فقال :  أرسلوا إلى 
طبيب  ، فقال قائل : وأنت تقول ذلك يا رسول 
الله ؟ قال :  نعم إن الله عز وجل لم ينزل 
داء إلا أنزل له دواء " .
وفي  الصحيحين  
من حديث أبي هريرة يرفعه : " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء " ، وقد 
تقدم هذا الحديث وغيره .
واختلف في معنى  أنزل الداء والدواء  ، فقالت طائفة : إنزاله إعلام العباد به ، وليس 
بشئ ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بعموم الإنزال لكل داء ودوائه ، وأكثر 
الخلق لا يعملون ذلك ، ولهذا قال : " علمه من علمه ، وجهله من جهله " 
.
وقالت طائفة : إنزالهما 
: خلقهما ووضعهما في الأرض ، كما في الحديث الآخر : " إن الله لم يضع داء إلا وضع 
له دواء " ، وهذا وإن كان أقرب في الذي قبله ، فلفظة الإنزال أخص من لفظة الخلق 
والوضع ، فلا ينبغي إسقاط خصوصية اللفظة بلا موجب .
وقالت طائفة : إنزالهما 
بواسطة الملائكة الموكلين بمباشرة الخلق من داء ودواء وغير ذلك ، فإن الملائكة 
موكلة بأمر هذا العالم ، وأمر النوع الإنساني من حين سقوطه في رحم أمه إلى حين موته 
، فإنزال الداء والدواء مع الملائكة ، وهذا أقرب من الوجهين قبله .
وقالت طائفة : إن عامة 
الأدواء والأدوية هي بواسطة إنزال الغيث من السماء الذي تتولد به الأغذية ، 
والأقوات ، والأدوية ،  والأدواء ، وآلات 
ذلك كله ، وأسبابه ومكملاته ، وما كان منها من المعادن العلوية ، فهي تنزل من 
الجبال ، وما كان منها من الأودية والأنهار والثمار ، فداخل في اللفظ على طريق 
التغليب والإكتفاء عن الفعلين بفعل واحد يتضمنهما ، وهو معروف من لغة العرب ، بل 
وغيرها من الأمم ، كقول الشاعر : 
علفتها تبنا وماء 
بارداً         حتى غدت همالة عيناها 
وقول الآخر : 
ورأيت زوجك قــد 
غدا         متقلـــداً سيفـــاً ورمحـــاً 
وقول الآخر : 
إذا ما الغانيات برزن 
يوماً         وزججن الحواجب 
والعيونا
وهذا أحسن مما قبله من 
الوجوه والله أعلم .
وهذا من تمام حكمة الرب 
عز وجل ، وتمام ربوبيته ، فإنه كما ابتلى عباده بالأدواء ، أعانهم عليها بما يسره 
لهم من الأدوية ، وكما ابتلاهم بالذنوب أعانهم عليها بالتوبة ، والحسنات الماحية 
والمصائب المكفرة ، وكما ابتلاهم بالأرواح الخبيثة من الشياطين ، أعانهم عليها بجند 
من الأرواح الطيبة ، وهم الملائكة . وكما ابتلاهم بالشهوات أعانهم على قضائها بما 
يسره لهم شرعاً وقدراً من المشتهيات اللذيذة النافعة ، فما ابتلاكم سبحانه بشئ إلا 
أعطاهم ما يستعينون به على ذلك البلاء ، ويدفعونه به ، ويبقى التفاوت بينهم في 
العلم بذلك ، والعلم بطريق حصوله والتوصل إليه ، وبالله المستعان 
.
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في تضمين من 
طب الناس ، وهو جاهل بالطب
روى أبو داود ، والنسائي 
، وابن ماجه ، من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى 
الله عليه وسلم : " من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك ، فهو ضامن " 
.
هذا الحديث يتعلق به 
ثلاثة أمور : أمر لغوي ، وأمر فقهي ، وأمر طبي .
فأما اللغوي : فالطب 
بكسر الطاء في لغة العرب ، يقال : على معان . منها الإصلاح ، يقال : طببته : إذا 
أصلحته . ويقال : له طب بالأمور . أي : لطف وسياسة . قال الشاعر : 
وإذا تغير من تميم 
أمرها        كنت الطبيب لها برأي 
ثاقب
ومنها : الحذق . قال 
الجوهري : كل حاذق طبيب عند العرب ، قال أبو عبيد : أصل الطب : الحذق بالأشياء 
والمهارة بها . يقال للرجل : طب وطبيب : إذا كان كذلك ، وإن كان في غير علاج المريض 
. وقال غيره : رجل طبيب : أي حاذق ، سمي طبيباً لحذقه وفطنته . قال علقمة : 
فإن تسألوني بالنساء 
فإنني       خبير بأدواء النساء 
طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل 
ماله        فليس له من ودهن 
نصيب
وقا ل عنترة : 
إن تغد في دوني القناع 
فإنني       طب بأخذ الفارس المستلئم 
أي : إن ترخي عني قناعك 
، وتستري وجهك رغبة عني ، فإني خبير حاذق بأخذ الفارس الذي قد لبس لأمة حربه 
.
ومنها : العادة ، يقال : 
ليس ذاك بطبي ، أي : عادتي ، قال فروة بن مسيك :
فما إن طبنا جبن 
ولكن      منايانا ودولة 
آخرينا
وقال أحمد بن الحسين 
المتنبي : 
وما التيه طبي فيهم غير 
أنني      بغيض إلي الجاهل المتعاقل 
ومنها : السحر ، يقال : 
رجل مطبوب ، أي : مسحور ، وفي  الصحيح  في حديث عائشة لما سحرت يهود رسول الله صلى 
الله عليه وسلم ، وجلس الملكان عند رأسه وعند رجليه ، فقال أحدهما : ما بال الرجل ؟ 
قال الآخر : مطبوب . قال : من طبه ؟ قال : فلان اليهودي .
قال أبو عبيد : إنما 
قالوا للمسحور : مطبوب ، لأنهم كنوا بالطب عن السحر ، كما كنوا عن اللديغ ، فقالوا 
: سليم تفاولاً بالسلامة ، وكما كنوا بالمفازة عن الفلاة المهلكة التي لا ماء فيها 
، فقالوا : مفازة تفاؤلاً بالفوز من الهلاك . ويقال : الطب لنفس الداء . قال ابن 
أبي الأسلت : 
ألا من مبلغ حسان 
عني      أسحر كان طبك أم 
جنون
وأما قول الحماسي : 
فإن كنت مطبوباً فلا زلت 
هكذا      وإن كنت مسحوراً فلا برئ 
السحر
فإنه أراد بالمطبوب الذي 
قد سحر ، وأراد بالمسحور : العليل بالمرض .
قال الجوهري : ويقال 
للعليل : مسحور . وأنشد البيت . ومعناه : إن كان هذا الذي قد عراني منك ومن حبك 
أسأل الله دوامه ، ولا أريد زواله ، سواء كان سحراً أو مرضاً .
والطب : مثلث الطاء ، 
فالمفتوح الطاء : هو العالم بالأمور ، وكذلك الطبيب يقال له : طب أيضاً . والطب : 
بكسر الطاء : فعل   الطبيب ، والطب بضم 
الطاء : اسم موضع ، قاله ابن السيد ، وأنشد : 
فقلت هل انهلتم بطب 
ركابكم      بجائزة الماء التي طاب 
طينها
وقوله صلى الله عليه 
وسلم :  من تطبب  ، ولم يقل : من طب ، لأن لفظ التفعل يدل على 
تكلف الشئ والدخول فيه بعسر وكلفه ، وأنه ليس من أهله ، كتحلم وتشجع وتصبر ونظائرها 
، وكذلك بنوا تكلف على هذا الوزن ، قال الشاعر : 
وقيس عيلان ومن تقيسا 
وأما الأمر الشرعي ، فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل ، فإذا تعاطى علم الطب وعمله 
، ولم يتقدم له به معرفة ، فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس ، وأقدم بالتهور على ما 
لم يعلمه ، فيكون قد غرر بالعليل ، فيلزمه الضمان لذلك ، وهذا إجماع من أهل العلم 
.
قال الخطابي : لا أعلم 
خلافاً في أن المعالج إذا تعدى ، فتلف المريض كان ضامناً ، والمتعاطي علماً أو 
عملاً لا يعرفه متعد ، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية ، وسقط عنه القود ، لأنه 
لا يستبد بذلك بدون إذن المريض وجناية المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته 
.
قلت : الأقسام خمسة : 
أحدها : طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده ، فتولد من فعله المأذون فيه من 
جهة الشارع ، ومن جهة من يطبه تلف العضو أو النفس ، أو ذهاب صفة ، فهذا لا ضمان 
عليه اتفاقاً ، فإنها سراية مأذون فيه ، وهذا كما إذا ختن الصبي في وقت ، وسنه قابل 
للختان ، وأعطى الصنعة حقها ، فتلف العضو أو الصبي ، لم يضمن ، وكذلك إذا بط من 
عاقل أو غيره ما ينبغي بطه في وقته على الوجه الذي ينبغي فتلف به ، لم يضمن ، وهكذا 
سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في سببها ، كسراية الحد بالإتفاق . وسراية 
القصاص عند الجمهور خلافاً لأبي حنيفة في إيجابه الضمان بها ، وسراية التعزير ، 
وضرب الرجل امرأته ، والمعلم الصبي ، والمستأجر الدابة ، خلافاً لأبي حنيفة 
والشافعي في إيجابهما الضمان في ذلك ، واستثنى الشافعي ضرب الدابة 
.
وقاعدة الباب إجماعاً 
ونزاعاً : أن سراية الجناية مضمونة بالإتفاق ، وسراية الواجب مهدرة بالإتفاق ، وما 
بينهما ففيه النزاع . فأبو حنيفة أوجب ضمانه مطلقاً ، وأحمد ومالك أهدرا ضمانه ، 
وفرق الشافعي بين المقدر ، فأهدر ضمانه ، وبين غير المقدر فأوجب ضمانه . فأبو حنيفة 
نظر إلى أن الإذن في الفعل إنما وقع مشروطاً بالسلامة ، وأحمد ومالك نظرا إلى أن 
الإذن أسقط الضمان ، والشافعي نظر إلى أن المقدر لا يمكن النقصان منه ، فهو بمنزلة 
النص ، وأما غير المقدر كالتعزيرات ، والتأديبات ، فاجتهادية ، فإذا تلف بها ، ضمن 
، لأنه في مظنة العدوان .
فصل
القسم الثاني : متطبب 
جاهل باشرت يده من يطبه ، فتلف به ، فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له ، 
وأذن له في طبه لم يضمن ، ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث ، فإن السياق وقوة 
الكلام يدل على أنه غر العليل ، وأوهمه أنه طبيب ، وليس كذلك ، وإن ظن المريض أنه 
طبيب ، وأذن له في طبه لأجل معرفته ، ضمن الطبيب ما جنت يده ، وكذلك إن وصف له 
دواء  يستعمله ، والعليل يظن أنه وصفه 
لمعرفته وحذقه فتلف به ، ضمنه ، والحديث ظاهر فيه أو صريح 
.
فصل
القسم الثالث : طبيب 
حاذق ، أذن له ، وأعطى الصنعة حقها ، لكنه أخطأت يده ، وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه ، 
مثل : أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة ، فهذا يضمن ، لأنها جناية خطأ ، ثم إن كانت 
الثلث فما زاد ، فهو على عاقلته ، فإن لم تكن عاقلة، فهل تكون الدية في ماله ، أو 
في بيت المال ؟ على قولين ، هما روايتان عن أحمد . وقيل : إن كان الطبيب ذمياً ، 
ففي ماله ، وإن كان مسلماً ، ففيه الروايتان ، فإن لم يكن بيت مال ، أو تعذر تحميله 
، فهل تسقط الدية ، أو تجب في مال الجاني ؟ فيه وجهان أشهرهما : سقوطها 
.
فصل
القسم الرابع : الطبيب 
الحاذق الماهر بصناعته ، اجتهد فوصف للمريض دواء ، فأخطأ في اجتهاده ، فقتله ، فهذا 
يخرج على روايتين : إحداهما : أن دية المريض في بيت المال . والثانية : أنها على 
عاقلة الطبيب ، وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطإ الإمام والحاكم 
.
فصل
القسم الخامس : طبيب 
حاذق ، أعطى الصنعة حقها ، فقطع سلعة من رجل أو صبي ، أو مجنون بغير إذنه ، أو إذن 
وليه ، أو ختن صبياً بغير إذن وليه فتلف ، فقال أصحابنا : يضمن ، لأنه تولد من فعل 
غير مأذون فيه ، وإن أذن له البالغ ، أو ولي الصبي والمجنون ، لم يضمن ، ويحتمل أن 
لا يضمن مطلقاً لأنه محسن ، وما على المحسنين من سبيل . وأيضاً فإنه إن كان متعدياً 
، فلا أثر لإذن الولي في إسقاط الضمان ، وإن لم يكن متعدياً ، فلا وجه لضمانه . فإن 
قلت : هو متعد عند عدم الإذن ، غير متعد عند الإذن ، قلت : العدوان وعدمه إنما يرجع 
إلى فعله هو ، فلا أثر للإذن وعدمه فيه ، وهذا موضع نظر 
.
فصل
والطبيب في هذا الحديث 
يتناول من يطب بوصفه وقوله ، وهو الذي يخص باسم الطبائعي ، وبمروده ، وهو الكحال ، 
وبمبضعه ومراهمه وهو الجرائحي ، وبموساه وهو الخاتن ، وبريشته وهو الفاصد ، 
وبمحاجمه ومشرطه وهو الحجام ، وبخلعه ووصله ورباطه وهو المجبر ، وبمكواته وناره وهو 
الكواء ، وبقربته وهو الحاقن ، وسواء كان طبه لحيوان بهيم ، أو إنسان ، فاسم الطبيب 
يطلق لغة على هؤلاء كلهم ، كما تقدم ، وتخصيص الناس له ببعض أنواع الأطباء عرف حادث 
، كتخصيص لفظ الدابة بما يخصها به كل قوم .
فصل
والطبيب الحاذق : هو 
الذي يراعي في علاجه عشرين أمراً : أحدها : النظر في نوع المرض من أي الأمراض هو 
؟
الثاني : النظر في سببه 
من أي شئ حدث ، والعلة الفاعلة التي كانت سبب حدوثه ما هي ؟ .
الثالث : قوة المريض ، 
وهل هي مقاومة للمرض ، أو أضعف منه ؟ فإن كانت مقاومة للمرض ، مستظهرة عليه ، تركها 
والمرض ، ولم يحرك بالدواء ساكناً .
الرابع : مزاج البدن 
الطبيعي ما هو ؟
الخامس : المزاج الحادث 
على غير المجرى الطبيعي .
السادس : سن المريض 
.
السابع : عادته 
.
الثامن : الوقت الحاضر 
من فصول السنة وما يليق به .
التاسع : بلد المريض 
وتربته .
العاشر : حال الهواء في 
وقت المرض .
الحادي عشر : النظر في 
الدواء المضاد لتلك العلة .
الثاني عشر : النظر في 
قوة الدواء ودرجته ، والموازنة بينها وبين قوة المريض .
الثالث عشر : ألا يكون 
كل قصده إزالة تلك العلة فقط ، بل إزالتها على وجه يأمن معه حدوث أصعب منها ، فمتى 
كان إزالتها لا يأمن معها حدوث علة أخرى أصعب منها ، أبقاها على حالها ، وتلطيفها 
هو الواجب ، وهذا كمرض أفواه العروق ، فإنه متى عولج بقطعه وحبسه خيف حدوث ما هو 
أصعب منه .
الرابع عشر : أن يعالج 
بالأسهل فالأسهل ، فلا ينتقل من العلاج بالغذاء إلى الدواء إلا عند تعذره ، ولا 
ينتقل إلى الدواء المركب إلا عند تعذر الدواء البسيط ، فمن حذق الطبيب علاجه 
بالأغذية بدل الأدوية ، وبالأدوية البسيطة بدل المركبة .
الخامس عشر : أن ينظر في 
العلة ، هل هي مما يمكن علاجها أو لا ؟ فإن لم يمكن علاجها ، حفظ صناعته وحرمته ، 
ولا يحمله الطمع على علاج لا يفيد شيئاً . وإن أمكن علاجها ، نظر هل يمكن زوالها 
أم   لا ؟ فإن علم أنه لا يمكن زوالها ، 
نظر هل يمكن تخفيفها وتقليلها أم لا ؟ فإن لم يكن تقليلها ، ورأى أن غاية الإمكان 
إيقافها وقطع زيادتها ، قصد بالعلاج ذلك ، وأعان القوة ، وأضعف المادة 
.
السادس عشر : ألا يتعرض 
للخلط قبل نضجه باستفراغ ، بل يقصد إنضاجه ، فإذا تم نضجه ، بادر إلى استفراغه 
.
السابع عشر : أن يكون له 
خبرة باعتلال القلوب والأرواح وأدويتها ، وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان ، فإن 
انفعال البدن وطبيعته عن النفس والقلب أمر مشهود ، والطبيب إذا كان عارفاً بأمراض 
القلب والروح وعلاجهما ، كان هو الطبيب الكامل ، والذي لا خبرة له بذلك وإن كان 
حاذقاً في علاج الطبيعة وأحوال البدن نصف طبيب . وكل طبيب لا يداوي العليل ، بتفقد 
قلبه وصلاحه ، وتقوية روحه وقواه بالصدقة ، وفعل الخير ، والإحسان ، والإقبال على 
الله والدار الآخرة ، فليس بطبيب ، بل متطبب قاصر . ومن أعظم علاجات المرض فعل 
الخير والإحسان والذكر والدعاء ، والتضرع والإبتهال إلى الله ، والتوبة ، ولهذه 
الأمور تأثير في دفع العلل ، وحصول الشفاء أعظم من الأدوية الطبيعية ، ولكن بحسب 
استعداد النفس وقبولها وعقيدتها في ذلك ونفعه .
الثامن عشر : التلطف 
بالمريض ، والرفق به ، كالتلطف بالصبي .
التاسع عشر : أن يستعمل 
أنواع العلاجات الطبيعية والإلهية ، والعلاج بالتخييل ، فإن لحذاق الأطباء في 
التخييل أموراً عجيبة لا يصل إليها الدواء ، فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل 
معين .
العشرون : - وهو ملاك 
أمر الطبيب - ، أن يجعل علاجه وتدبيره دائراً على ستة أركان : حفظ الصحة الموجودة ، 
ورد الصحة المفقودة بحسب الإمكان ، وإزالة العلة أو تقليلها بحسب الإمكان ، واحتمال 
أدنى المفسدتين لإزالة أعظمهما ، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما ، فعلى هذه 
الأصول الستة مدار العلاج ، وكل طبيب لا تكون هذه أخيته التي يرجع إليها ، فليس 
بطبيب ، والله أعلم .
فصل
ولما كان للمرض أربعة 
أحوال : ابتداء ، وصعود ، وانتهاء ، وانحطاط ، تعين على الطبيب مراعاة كل حال من 
أحوال المرض بما يناسبها ويليق بها ، ويستعمل في كل حال ما يجب استعماله فيها . 
فإذا رأى في ابتداء المرض أن الطبيعة محتاجة إلى ما يحرك الفضلات ويستفرغها لنضجها 
، بادر إليه ، فإن فاته تحريك الطبيعة في ابتداء المرض لعائق منع من ذلك ، أو لضعف 
القوة وعدم احتمالها للإستفراغ ، أو لبرودة الفصل ، أو لتفريط وقع ، فينبغي أن يحذر 
كل الحذر أن يفعل ذلك في صعود المرض ، لأنه إن فعله ، تحيرت الطبيعة لاشتغالها 
بالدواء ، وتخلت عن تدبير المرض ومقاومته بالكلية ، ومثاله : أن يجيء إلى فارس 
مشغول بمواقعة عدوه ، فيشغله عنه بأمر آخر ، ولكن الواجب في هذه الحال أن يعين 
الطبيعة على حفظ القوة ما أمكنه .
فإذا انتهى المرض ووقف 
وسكن ، أخذ في استفراغه ، واستئصال أسبابه ، فإذا أخذ في الإنحطاط ، كان أولى بذلك 
. ومثال هذا مثال العدو إذا انتهت قوته ، وفرغ سلاحه ، كان أخذه سهلاً ، فإذا ولى 
وأخذ في الهرب ، كان أسهل أخذاً ، وحدته وشوكته إنما هي في ابتدائه ، وحال استفراغه 
، وسمعة قوته ، فهكذا الداء ، والدواء سواء .
فصل
ومن حذق الطبيب أنه حيث 
أمكن التدبير بالأسهل ، فلا يعدل إلى الأصعب ، ويتدرج من الأضعف إلى الأقوى إلا أن 
يخاف فوت القوة حينئذ ، فيجب أن يبتدئ بالأقوى ، ولا يقيم في المعالجة على حال 
واحدة فتألفها الطبيعة ، ويقل انفعالها عنه ، ولا تجسر على الأدوية القوية في 
الفصول القوية ، وقد تقدم أنه إذا أمكنه العلاج بالغذاء ، فلا يعالج بالدواء ، وإذا 
أشكل عليه المرض أحار هو أم بارد ؟ فلا يقدم حتى يتبين له ، ولا يجربه بما يخاف 
عاقبته ، ولا بأس بتجربته بما لا يضر أثره . 
وإذا اجتمعت أمراض ، بدأ 
بما تخصه واحدة من ثلاث خصال : إحداها : أن يكون برء الآخر موقوفاً على برئه كالورم 
والقرحة ، فإنه يبدأ بالورم .
الثانية : أن يكون أحدها 
سبباً للآخر ، كالسدة والحمى العفنة ، فإنه يبدأ بإزالة السبب .
الثالثة : أن يكون 
أحدهما أهم من الآخر ، كالحاد والمزمن ، فيبدأ بالحاد ، ومع هذا فلا يغفل عن الآخر 
. وإذا اجتمع المرض والعرض ، بدأ بالمرض ، إلا أن يكون العرض أقوى كالقولنج ، فيسكن 
الوجع أولاً ، ثم يعالج السدة ، وإذا أمكنه أن يعتاض عن المعالجة بالإستفراغ بالجوع 
أو الصوم أو النوم ، لم يستفرغه ، وكل صحة أراد حفظها ، حفظها بالمثل أو الشبه ، 
وإن أراد نقلها إلى ما هو أفضل منها ، نقلها بالضد .
فصل
في هديه صلى الله عليه 
وسلم في التحرز من الأدواء المعدية بطبعها وإرشاده الأصحاء إلى مجانبة 
أهلها
ثبت في  صحيح مسلم  
من حديث جابر بن عبد الله ، أنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم ، فأرسل إليه 
النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجع فقد بايعناك " .
وروى البخاري في  صحيحه  
تعليقاً من حديث أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " فر من 
المجذوم كما تفر من الأسد " .
وفي  سنن ابن ماجه  
من حديث ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تديموا النظر 
إلى المجذومين " .
وفي  الصحيحين  
من حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يوردن 
ممرض على مصح " .
ويذكر عنه صلى الله عليه 
وسلم : " كلم المجذوم ، وبيك وبينه قيد رمح أو رمحين " .
الجذام : علة رديئة تحدث 
من انتشار المرة السوداء في البدن كله ، فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها وشكلها ، وربما 
فسد في آخره اتصالها حتى تتأكل الأعضاء وتسقط ، ويسمى داء الأسد .
وفي هذه التسمية ثلاثة 
أقوال للأطباء : أحدها : أنها لكثرة ما تعتري الأسد .
والثاني : لأن هذه العلة 
تجهم وجه صاحبها وتجعله في سحنة الأسد .
والثالث : أنه يفترس من 
يقربه ، أو يدنو منه بدائه افتراس الأسد .
وهذه العلة عند الأطباء 
من العلل المعدية المتوارثة ، ومقارب المجذوم ، وصاحب السل يسقم برائحته ، فالنبي 
صلى الله عليه وسلم لكمال شفقته على الأمة ، ونصحه لهم نهاهم عن الأسباب التي 
تعرضهم لوصول العيب والفساد إلى أجسامهم وقلوبهم ، ولا ريب أنه قد يكون في البدن 
تهيؤ واستعداد كامن لقبول هذا الداء ، وقد تكون الطبيعة سريعة الإنفعال قابلة 
للإكتساب من أبدان من تجاوره وتخالطه ، فإنها نقالة ، وقد يكون خوفها من ذلك ووهمها 
من أكبر أسباب إصابة تلك العلة لها ، فإن الوهم فعال مستول على القوى والطبائع ، 
وقد تصل رائحة العليل إلى الصحيح فتسقمه ، وهذا معاين في بعض الأمراض ، والرائحة 
أحد أسباب العدوى ، ومع هذا كله فلا بد من وجود استعداد البدن وقبوله لذلك الداء ، 
وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة ، فلما أراد الدخول بها ، وجد بكشحها 
بياضاً ، فقال : " الحقي بأهلك " .
وقد ظن طائفة من الناس 
أن هذه الأحاديث معارضة بأحاديث أخر تبطلها وتناقضها ، فمنها : ما رواه الترمذي ، 
من حديث جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد رجل مجذوم ، فأدخلها معه 
في القصعة ، وقال : " كل بسم الله ثقة بالله ، وتوكلاً عليه " ، ورواه ابن ماجه 
.
وبما ثبت في  الصحيح  
، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا عدوى ولا طيرة 
" .
ونحن نقول : لا تعارض 
بحمد الله بين أحاديثه الصحيحة . فإذا وقع التعارض ، فإما أن يكون أحد الحديثين ليس 
من كلامه صلى الله عليه وسلم وقد غلط فيه بعض الرواة مع كونه ثقة ثبتاً ، فالثقة 
يغلظ ، أو يكون أحد الحديثين ناسخاً للآخر إذا كان مما يقبل النسخ ، أو يكون 
التعارض في فهم السامع ، لا في نفس كلامه صلى الله عليه وسلم ، فلا بد من وجه من 
هذه الوجوه الثلاثة .
وأما حديثان صحيحان 
صريحان متناقضان من كل وجه ، ليس أحدهما ناسخاً للآخر ، فهذا لا يوجد أصلاً ، ومعاذ 
الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق ، والآفة 
من التقصير في معرفة المنقول ، والتمييز بين صحيحه  ومعلوله ، أو من القصور في فهم مراده صلى الله 
عليه وسلم وحمل كلامه على غير ما عناه به ، أو منهما معاً ، ومن ها هنا وقع من 
الإختلاف والفساد ما وقع ، وبالله التوفيق .
قال ابن قتيبة في 
كتاب  اختلاف الحديث  له حكاية عن أعداء الحديث وأهله ، قالوا : 
حديثان متناقضان رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا عدوى ولا طيرة " 
. وقيل له : إن النقبة تقع بمشفر البعير ، فيجرب لذلك الإبل . قال : " فما أعدى 
الأول " ، ثم رويتم " لا يورد ذو عاهة على مصح ، وفر من المجدوم فرارك من الأسد " ، 
وأتاه رجل مجذوم ليبايعه بيعة الإسلام ، فأرسل إليه البيعة ، وأمره بالإنصراف ، ولم 
يأذن له ، وقال : " الشؤم في المرأة والدار والدابة " . قالوا : وهذا كله مختلف لا 
يشبه بعضه بعضاً .
قال أبو محمد : ونحن 
نقول : إنه ليس في هذا اختلاف ، ولكل معنى منها وقت وموضع ، فإذا وضع موضعه زال 
الإختلاف .
والعدوى جنسان : أحدهما 
: عدوى الجذام ، فإن المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته ومحادثته ، 
وكذلك المرأة تكون تحت المجذوم ، فتضاجعه في شعار واحد ، فيوصل إليها الأذى ، وربما 
جذمت ، وكذلك ولده ينزعون في الكبر إليه ، وكذلك من كان به سل ودق ونقب . والأطباء 
تأمر أن لا يجالس المسلول ولا المجذوم ، ولا يريدون بذلك معنى العدوى ، وإنما 
يريدون به معنى تغير الرائحة ، وأنها قد تسقم من أطال اشتمامها ، والأطباء أبعد 
الناس عن الايمان بيمن وشؤم ، وكذلك النقبة تكون بالبعير - وهو جرب رطب - فإذا خالط 
الإبل أو حاكها ، وأوى في مباركها ، وصل إليها بالماء الذي يسيل منه ، وبالنطف نحو 
ما به ، فهذا هو المعنى الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يورد ذو عاهة 
على مصح " ، كره أن يخالط المعيوه الصحيح ، لئلا يناله من نطفه وحكته نحو مما به 
.
قال : وأما الجنس الآخر 
من العدوى ، فهو الطاعون ينزل ببلد ، فيخرج منه خوف العدوى ، وقد قال صلى الله عليه 
وسلم : " إذا وقع ببلد ، وأنتم به ، فلا تخرجوا منه ، وإذا كان ببلد ، فلا تدخلوه " 
يريد بقوله : لا تخرجوا من البلد إذا كان فيه كأنكم تظنون أن الفرار من قدر الله 
ينجيكم من الله ، ويريد إذا كان ببلد ، فلا تدخلوه ، أي : مقامكم في الموضع الذي لا 
طاعون فيه أسكن لقلوبكم ، وأطيب لعيشكم ، ومن ذلك المرأة تعرف بالشؤم أو الدار ، 
فينال الرجل مكروه أو جائحة ، فيقول : أعدتني بشؤمها ، فهذا هو العدوى الذي قال فيه 
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى " .
وقالت فرقة أخرى : بل 
الأمر باجتناب المجذوم والفرار منه على الإستحباب ، والإختيار ، والإرشاد ، وأما 
الأكل معه ، ففعله لبيان الجواز ، وأن هذا ليس بحرام .
وقالت فرقة أخرى : بل 
الخطاب بهذين الخطابين جزئي لا كلي ، فكل واحد خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بما 
يليق بحاله ، فبعض الناس يكون قوي الإيمان ، قوي التوكل تدفع قوة توكله قوة العدوى 
، كما تدفع قوة الطبيعة قوة العلة فتبطلها ، وبعض الناس لا يقوى على ذلك ، فخاطبه 
بالإحتياط والأخذ بالتحفظ ، وكذلك هو صلى الله عليه وسلم فعل الحالتين معاً ، 
لتقتدي به الأمة فيهما ، فيأخذ من قوي من أمته بطريقة التوكل والقوة والثقة بالله ، 
ويأخذ من ضعف منهم بطريقة التحفظ والإحتياط ، وهما طريقان صحيحان . أحدهما : للمؤمن 
القوي ، والآخر للمؤمن الضعيف ، فتكون لكل واحد من الطائفتين حجة وقدوة بحسب حالهم 
وما يناسبهم ، وهذا كما أنه صلى الله عليه وسلم كوى ، وأثنى على تارك الكي ، وقرن 
تركه بالتوكل ، وترك الطيرة ، ولهذا نظائر كثيرة ، وهذه طريقة لطيفة حسنة جداً من 
أعطاها حقها ، ورزق فقه
نفسه فيها ، أزالت عنه 
تعارضاً كثيراً يظنه بالسنة الصحيحة .
وذهبت فرقة أخرى إلى أن 
الأمر بالفرار منه ، ومجانبته لأمر طبيعي ، وهو انتقال الداء منه بواسطة الملامسة 
والمخالطة والرائحة إلى الصحيح ، وهذا يكون مع تكرير المخالطة والملامسة له ، وأما 
أكله معه مقداراً يسيراً من الزمان لمصلحة راجحة ، فلا بأس به ، ولا تحصل العدوى من 
مرة واحدة ولحظة واحدة ، فنهى سداً للذريعة ، وحماية للصحة ، وخالطه مخالطة ما 
للحاجة والمصلحة ، فلا تعارض بين الأمرين .
 
 
Comments
Post a Comment