حكم استثمار أموال الزكاة في التجارات والصناعات

 اتبع هداه إلى يوم الدين وبعد،،

فهذه رسالة مختصرة في حكم استثمار أموال الزكاة في التجارات والصناعات وغير ذلك من وجوه الاستثمار،كتبناها لما رأينا أن بعض الباحثين وطلاب العلم أفتي بجواز استثمار أموال الزكاة، بل استحباب ذلك وخشينا أن يتوسع من يتولون جمع الزكاة من الهيئات واللجان والأغنياء في استثمار أموال الزكاة، وعلمنا أن الزكاة عبادة شرعية بل ركن من أركان الإسلام يجب أن تؤدى كما أمر الله سبحانه وتعالى. هذا وأسأل الله أن ينفع بهذه الرسالة عباده الصالحين وأن يوفقنا إلى محبته ومرضاته.



أولاً: وجوب الزكاة:

اعلم رحمني الله وإياك أن الزكاة فرض واجب بكتاب الله وسنة رسوله، وإجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهي أحد أركان الإسلام الخمس، قال تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها”وقال تعالى "والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"، وقال تعالى "والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم" وأما الأحاديث فمنها قوله صلى الله عليه وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضة،لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها نار جهنم، فيكوى بها جنبه، وجبينه،وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد،فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار. ولا صاحب أبل لا يؤدي منها حقها – ومن حقها حلبها يوم ورودها – إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطأه بأخفافها، وتعضه بأفواهها،كلما مر عليه أولاها،رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله،إما إلى الجنة وإما إلى النار. ولا صاحب بقر، ولا غنم لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منه شيئاً، ليس فيها عصقاء، ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطأه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي، وقوله صلى الله عليه وسلم (… ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه، إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع يتبعه،فاغرا فاه، فإذا أتاه فر منه، فيناديه ربه عز وجل: خذ كنزك الذي خبأته، فأنا أغنى منك، فإذا رأى أنه لابد له منه، سلك يده في فيه فيقضمها قضم الفحل) رواه أحمد ومسلم والنسائي، ولما بعث رسول الله معاذاً إلى اليمن قال له: (أنك تأتي على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم، فإذا فعلوا أطاعوا بها فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس) متفق عليه، وقال أيضاً (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم ألا بحقها، وحسابهم على الله) متفق عليه، وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على وجوب قتال مانعي الزكاة، وعاملوهم معاملة الكفار المرتدين.

قال ابن قدامه: فمن أنكر وجوبها جهلاً به وكان ممن يجهل ذلك إما لحداثة عهده بالإسلام أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار عرّف وجوبها ولا يحكم بكفره لأنه معذور، وإن كان مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين، ويستتاب ثلاثاً،فإن تاب وإلا قتل لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة، وإجماع الأمة فلا تكاد تخفى على أحد ممن هذه حاله، فإذا جحدها فلا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة وكفر بهما.أ.ه. (المغني 1/414 )

ومن مجموعه النصوص السابقة يستفاد ما يأتي :

1) أن الزكاة فرض واجب وركن من أركان الإسلام يجب أن تؤدى كما أوجب الله، فيخرج من كل مال حسب النصاب الشرعي، ومن نفس المال الذي وجبت فيه الزكاة وتؤدى إلى من ذكر الله حسب المصارف الشرعية لقوله تعالى "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" التوبة 60

2) أن الزكاة واجبة على الفور وليست على التراخي لأنها عبادة مخصوصة بالحول أو جني الثمرة وحصاد الزرع لقوله تعالى "وآتوا حقه يوم حصاده"

ثانياً:فساد القول بجواز استثمار أموال الزكاة:

وقد ذهب بعض الباحثين وطلاب العلم المعاصرين إلى جواز استثمار أموال الزكاة في التجارات والصناعات ونحوها من القائمين على جمعها سواءً كانوا حكومات أو هيئات خيرية. وهذا القول غير المسبوق، ولم يجر عليه عمل قط في عصور الإسلام جميعها، ولم يقل به أحد من أهل العلم سابقاً، ولا شك أنه خطأٌ كبير للأمور التالية :



1.أنه تبديل لصورة العبادة، وتغيير لأحكامها، وابتداع فيها… فالزكاة عبادة لها أركانها وشروطها وأحكامها، ويجب في العبادات أداؤها كما أمر الله سبحانه وتعالى، فإن زكاة الذهب والفضة يجب إخراجها من نفس المال ذهباً أو فضة، وزكاة الأنعام كذلك وزكاة الزروع والثمار كذلك لا يجوز تبديلها بمال آخر، ومصارف الزكاة لا يجوز زيادتها، ولا صرف الزكاة لغير من الله عليهم من أهلها لقوله تعالى "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" .. الآية. والقائلون بجواز استثمار أموال الزكاة يبدلون أحكامها ولا بد، وقد قال صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم.>

2.استثمار أموال الزكاة من القائمين على جمعها حكومة كانت أو هيئات هو تصرف لم يأذن به الله ولا رسوله، وبالتالي هو تعد على أمر الله ورسوله.

3.استثمار أموال الزكاة بتجارة أو صناعة أو غير ذلك يعرضها للخسارة أو الربح ففي حال الخسارة أو الربح ففي حال الخسارة من يضمن ضياع أموال الزكاة؟ وفي حالة الربح لمن يكون الربح؟ وأي قول إجابة في هذا هو قول على الله بغير علم واجتهاد في موضع النص، ولا يجوز الاجتهاد في موضع النص.

4.القول بأن الزكاة كالوقف يجوز بحبس أصولها، أو شراء أصول بها وتسبيل ثمرته، قياس مع الفارق وإدخال للعبادات بعضها ببعض، فطريق الوقف غير طريق الزكاة..

5.وقياس الزكاة على الأموال الخراجية، التي حبسها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب على بيت مال المسلمين، ولم يوزعها على الغانمين هي نوع من الوقف الإلزامي الذي أذن فيه المسلمون فكانوا كالمتبرعين بأموالهم،وأما مال الزكاة الذي أخرجه المزكي فهو مال الله وقد أصبح حقاً لأهل الزكاة، ولا يجوز لأحد أن يتصرف في ملا الله بغير أذن منه، واستثمار أموال الزكاة هو تصرف في مال خاص لله بغير إذن من الله سبحانه وتعالى.

6.وأما القول بأن مصادر الإنفاق في سيبل الله محدودة، والزكاة قليلة، واستثمارها يفتح باباً واسعاً لتنميتها، وإيجاد مصادر دائمة للإنفاق في سبل الله، كل هذا من التحسين العقلي الذي يؤدي إلى تغيير صورة هذه العبادة وحبسها وتعطيلها عن المصارف، ولا شك أنه يمكن إيجاد مصارف ثابتة عن طريق الوقف،والصدقات المعدة لذلك، وأما الزكاة فإن سبيلها غير ذلك لأنها تلبية لحاجة الفقير الماسة في الوقت كما قال صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم) فقوله وترد إلى فقرائهم دليل الفورية في التوزيع، ولذلك أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز حبس مال الزكاة، ولا تأخيره وكذلك قال الله سبحانه "وآتوا حقه يوم حصاده" يشعر بأنه يجب توزيعها في الوقت من جنس المال من الزروع والثمار، وكان السلف يوزعونها بين الفقراء من المرابد والبيادر رأساً قبل أن تدخل إلى مخازنهم.

7.القول بأن الحكومة أو الهيئات التي تقوم بجمع الزكاة تتولى تنمية هذا المال واستثماره قو لضعيف فاسد أن مهمة الدولة في الإسلام لا يدخل فيه الاستثمار قط!! وإنما هذا من فعل الدول الشيوعية والاشتراكية التي رأت من مهمة الدولة استثمار الأموال بالزراعة والصناعة وغيرها،ولا يجتمع في الإسلام قط الحكم والتجارة!!

8.القول بجواز استثمار أموال الزكاة من قبل الحكومة أو لجان الخير، يفتح الباب كذلك لأن يبادر الأغنياء ومخرجو الزكاة في استثمار زكاتهم بأنفسهم وهذا سيؤدي في النهاية إلى حبس أموال الزكاة عن مصارفها وتعطيلها سنوات في أيدي مخرجيها،وتعرضها للربح أو الخسارة، وإعطاء الأغنياء لأنفسهم الحق في الأخذ من ريعها، وتصبح حجة لمن لا يخرج الزكاة أن يدعي استثمارهما أو أنها خسرت أو هلكت.

9.القول باستثمار أموال الزكاة سيؤدي إلى ظهور اجتهادات كثيرة كلها تنبني على الظن والتخمين والتحسين العقلي،كالقول بأن للمضارب بالزكاة نصيب من ريعها أو أنة لا نصيب له،وكل هذا من الظن والتخمين والقول على الله بغير علم ولا دليل..

10.القول بجواز استثمار أموال الزكاة قول مبتدع لا دليل عليه من كتاب الله ولا سنة ولا قول صاحب ولا قول إمام يعتد به، وهو يفتح باب الاجتهاد في العبادات وأركان الإسلام، وقد يؤدي هذا إلى هدم هذا الركن العظيم، وتبديل أحكام الشريعة.



ومن أجل هذا نحذر إخواننا المسلمين من هذا القول ونهيب بالجميع أن يؤدوا العبادة كما شرعها الله سبحانه وتعالى.

والله الموفق للخير والصواب

Comments

Popular posts from this blog

IDENTIFICATION OF FUNGI

مجموعه محاضرات علم الطفيليات باللغه العربيه parasitology

عقار جديد يشفى من "فيروس سى" بدون أعراض جانبية.. وتداوله خلال عامين